في حوار جريدة الأهرام مع فضيلة شيخ الأزهر، طرحت الصحفية المحاورة سؤالاً غريباً من نوعية الأسئلة الموجهة، التي تحمل الإجابة في طياتها وتدس المعلومة وكأنها بديهية ومُسَلَّمة وتريد ممن يجيب أن يؤَمِّن على كلامها ويضيف على هذه البديهية، التي ستصير مع السكوت وإهمال الرد والتفنيد ديناً آخر داخل الدين، بل فوق الدين نفسه، السؤال الموجه لشيخ الأزهر كان على هذا النحو بالحرف الواحد: «هناك من يحاول العبث والتشكيك في ثوابت العقيدة الإسلامية مثل عذاب القبر وكتب التفسير وغيرهما، فما رد الأزهر على تلك المحاولات التي تهدد السلم الاجتماعى وتثير البلبلة لدى العامة؟». إذن السؤال الذي سألته «الأهرام» يعتبر أن عذاب القبر من ثوابت العقيدة، وما أدراك ما الحساب العسير لمن يتساءل فقط ولا أقول يشكك في ثوابت العقيدة، إذن الصحفية تعتبر عذاب القبر من صلب العقيدة، وتريد توسيع مساحة كلمة الثوابت، التي أخشى أن تتسع لتشمل وجدى غنيم وصفوت حجازى!! هي بسؤالها وضعت الختم وصادرت الرأى والاجتهاد ونفت كل من كتب يناقش مسألة عذاب القبر إلى جهنم، ووضعت رقبته تحت المقصلة!! فسؤالها هو: حتعملوا إيه معاه وحتعاقبوه إزاى؟! وليس: هل المسألة تستحق تكفير منكرها أم لا كما حدث مع كثيرين من قبل؟! الحقيقة- وللأمانة- كان رد شيخ الأزهر غير متضمن عقابا أو تكفيرا أو خلافه، فقد أجاب قائلاً: «الوطن في محنة حقيقية يحاول أن يتجاوزها بقوة بعد ثورة الثلاثين من يونيو، لذا فالموضوعات الدينية التي ينبغى مخاطبة الناس بها يجب أن تتناسب مع تطلعات شعب يدخر كل وقته وطاقته وجهده وعرقه لبناء حياة جديدة ومستقبل مشرق، وتحديد الموضوعات الدينية حسب الأولويات يمثل أهم محاور تجديد الفكر الدينى، لأنه ليس من المفيد لأحد الآن أن نتناول موضوعات لا تصبّ في صالح البناء، وإنما تصيب المواطنين بحالة اغتراب كاملة، اغتراب عن الزمن وعن العصر الحالى، وعن المشكلات التي تواجه الوطن، والأهم من مناقشة عذاب القبر الآن، على سبيل المثال، أن نناقش أفكار الجهاد والحاكمية والتكفير التي يتسبب الفهم الخاطئ لها في معاناة أوطاننا من جرائم الميليشيات المتطرفة». هذا الرد جميل وفى محله وفى وقته، فبالفعل هناك قضايا أهم، ولكن كان من المهم جداً أن يبادر شيخ الأزهر ويطلعنا نحن القراء ويرد على صحفية «الأهرام» ويوضح- وهو المتخصص وأستاذ العقيدة- هل فعلاً عذاب القبر من ثوابت العقيدة كما قالت وتحدثت وكأنها تتحدث عن الإيمان بالله واليوم الآخر؟! نريد الإجابة منه ومن د. حمدى زقزوق، كأستاذ عقيدة أيضاً، ووزير أوقاف سابق، نطلب الإجابة- ليس لأن هذه القضية تؤرق المجتمع المصرى وتعوق مسيرته، وستسهم في انخفاض الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة- ولكننا نطلبها لنضع قاعدة عدم حشر كل شىء كمُسَلَّمة من مُسَلَّمات العقيدة وكفزاعة نرهب بها كل من تقفز في ذهنه علامة استفهام، نطلبها حتى يعرف الناس أن هناك مسائل خلافية، وليست واضحة وضوح الشمس كما يدَّعِى البعض أنها من الثوابت والأصول والمعلوم من الدين بالضرورة، هذا النوع من الأسئلة الموجهة المفخخة يكرس للمصادرة وقمع الفكر وقتل النقد واغتيال السؤال، فهل من يتساءل عن الغيب ومسائله وقضاياه ويؤكد أن الله جل جلاله قال إنه فقط الذي يعلم هذا الغيب ويطَّلع على أسراره، هل هذا المتسائل رجل مرتد كافر مزدر مهتز العقيدة؟! هل من يقرأ للناس كلام الأشعرى نفسه- وهو صاحب المذهب الذي ينتمى إليه شيخ الأزهر من كتاب مقالات الإسلاميين، والذى يقول: «واختلفوا في عذاب القبر»، وذكر أن المعتزلة- وهو المذهب الذي كان ينتمى إليه في البداية- أنكروا هذا العذاب، ورأيه الخاص- بعد أن انشق عنهم- أن الأغلبية من غير المعتزلة والخوارج مؤمنون بعذاب القبر، فهل عندما يقرأ شخص هذا الكلام ويقول: الأشعرى قال معظم ولم يقل كل، يعنى فيه خلاف على الأقل، لا يخرج من يطرح هذه المسألة للنقاش من الملة ولا تجعله غير ثابت العقيدة؟!! هل عندما يقول شخص ما إن هذا الخلاف مذهبى، وإنه من الممكن أن يتبنى رأياً آخر ينتمى إلى مذهب آخر ورأى عالم فقيه آخر غير أشعرى، نصف هذا الشخص ونصمه ونجرسه بأنه حطم العقيدة وأنكر الدين ومرق من الإسلام مروق السهم؟! لماذا الصحافة التي من المفروض أنها مدنية مستنيرة تلقى بالتهم وتجهز قائمة التكفير وتصبح أحياناً ملكية أكثر من الملك وداعشية أكثر من أبى بكر البغدادى؟!